سورة الجن - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)}
{لَمَّا سَمِعْنَا الهدى ا} هو سماعهم القرآن وإيمانهم به {فَلاَ يَخَافُ} فهو لا يخاف، أي فهو غير خائف؛ ولأنّ الكلام في تقدير مبتدأ وخبر دخلت الفاء، ولولا ذاك لقيل: لا يخف.
فإن قلت: أي فائدة: في رفع الفعل وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبراً له ووجوب إدخال الفاء، وكان ذلك كله مستغنى عنه بأن يقال: لا يخف؟ قلت: الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك، فكأنه قيل: فهو لا يخاف، فكان دالاً على تحقيق أنّ المؤمن ناج لا محالة وأنه هو المختص بذلك دون غيره وقرأ الأعمش: فلا يخف، على النهي {بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} أي جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحداً حقاً ولا رهق ظلم أحد فلا يخاف جزاءهما. وفيه دلالة على أن من حق من آمن باللَّه أن يجتنب المظالم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم» ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى، ولا أن ترهقه ذلة، من قوله عز وجل: {ترهقهم ذلة} [القلم: 43].


{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}
{القاسطون} الكافرون الجائرون عن طريق الحق.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: أنّ الحجاج قال له حين أراد قتله: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل، فقال القوم: ما أحسن ما قال، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل؛ فقال الحجاج: يا جهلة، إنه سماني ظالماً مشركاً، وتلا لهم قوله تعالى: {وَأَمَّا القاسطون} وقوله تعالى: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]، وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً أنّ الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم؛ وكفى به وعداً أن قال: {فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً} فذكر سبب الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد.


{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)}
{وَأَلَّوِ استقاموا} أن مخففة من الثقيلة، وهو من جملة الموحى والمعنى: وأوحي إليّ أن الشأن والحديث لو استقام الجن على الطريقة المثلى، أي: لو ثبت أبوهم الجان على ما كان عليه من عبادة الله والطاعة ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام، لأنعمنا عليهم ولوسعنا رزقهم. وذكر الماء الغدق وهو الكثير بفتح الدال وكسرها. وقرئ بهما، لأنه أصل المعاش وسعة الرزق {لنفتنهم فِيهِ} لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خوّلوا منه. ويجوز أن يكون معناه: وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم، لنفتنهم فيه: لتكون النعمة سبباً في اتباعهم شهواتهم، ووقوعهم في الفتنة، وازديادهم إثماً؛ أو لنعذبهم في كفران النعمة {عَن ذِكْرِ رَبِّهِ} عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه {يَسْلُكْهُ} وقرئ بالنون مضمومة ومفتوحة، أي: ندخله {عَذَاباً} والأصل: نسلكه في عذاب، كقوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] فعدّى إلى مفعولين: إمّا بحذف الجار وإيصال الفعل، كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] وإمّا بتضمينه معنى (ندخله) يقال: سلكه وأسلكه قال:
حَتَّى إذَا أسْلَكُوهُمْ في قتَائِدَةٍ ***
والصعد: مصدر صعد، يقال: صعد صعداً وصعوداً، فوصف به العذاب، لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه. ومنه قول عمر رضي اللَّه عنه: ما تصعدَني شيء ما تصعَّدَتني خطبة النكاح، يريد: ما شق على ولا غلبني.

1 | 2 | 3 | 4